mercredi 12 novembre 2014

ندوة: النصّ و أفعال القراءة و الفهم و التأويل أيام 13-14-15 نوفمبر 2014

                      جامعة القيروان  
                           كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان
                      مخبر بحث: تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات
 

ندوة: النصّ و أفعال القراءة و الفهم و التأويل أيام 13-14-15 نوفمبر 2014


من الثابت معرفيا أنّ مصطلحات النصّ، القراءة، الفهم، التأويل ضاربة بجذورها في التاريخ وإن تكثّف حضورها في النصوص الحديثة و المعاصرة. والملاحظ أنّ هذه المصطلحات تظلّ رغم كثرة جريانها في الاستعمالين الشفوي والمكتوب- محاطة باللّبس والغموض، محمّلة بمعانٍ متغيّرة تتبدّل بتبدّل زمن الاستعمال و تغيّر المستعمل.
وقد اعتبرت المدرسة البنيوية النصّ عالما مغلقا على نفسه يٌعالج من الداخل دون أن تتدخّل في دراسته عناصر خارجيّة بما في ذلك مُبدعُهُ والمحيط الذي تخلّق فيه. و من هذا المنظور يكون النصّ- مهما يكن نوعُهُ- غير فاعل و لا هو مُفيد ما لم- يخضع لقراءة تكون- هي الأخرى- خاضعة لآليات ومناهج تتباين باختلاف القرّاء والخلفيات الفكرية والثقافية التي يحملونها.
إنّ كلّ نصّ يقتضي إذن قراءة أو قارئا يُولّد المعاني الكامنة فيه، ويخرجها من الوجود بالقوّة إلى الوجود بالفعل. ولمّا كان كلّ نصّ إبداعيّ منفتحا على مطلق المعاني كانت دلالاتُهُ متعدّدة متنوّعة بتعدّد القرّاء و اختلاف القراءات، وهو ما يجعل النصوص غير متناهية في الفهم وقابلة لتعدّد التأويلات. لكنّ النصّ المغلق يظلّ دائما المركز منه الانطلاق و إليه العودة.
إنّنا عندما نتكلّم على القراءة لا مناص من ربطها بقارئ أو قرّاء، وهؤلاء القرّاء مختلفون في معالجتهم للنصوص باختلاف خلفياتهم المعرفية و تنوّع ثقافاتهم وتعدد ظروف القراءة. و قد اختلف النقاد المعاصرون وأصحاب المناهج الحديثة في النظر إليهم، فمنهم من وَصَل كلّ قراءة بقارئ، ومنهم من قَرَنَهَا بمتلقّ أو متقبّل. والمهمّ هنا هو نشأة جمالية التلقّي/ التقبّل، وقد بوّأ أصحاب هذه النظرية المتقبّل منزلة رفيعة بعد الإهمال الذي لقيه في المدرستين الشكلانية و البنيوية.    

لقد غيّبت التفكيكية النصّ، وفي مقابل ذلك احتفت أيّما احتفاء بالقارئ، يذكر عبد العزيز حمودة مبرزا هذا الاحتفاء بالقارئ: "إن أهمّ محاور التفكيك يرتكز على الأهمية الجديدة التي يكتسبها القارئ و الدور الأساسي الذي يلعبه في تفسير النصّ"1، و يقول رشيد بنحدو:" وقد برزت العنايةُ بظَاهرة القراءة أو التلقّي بشكل مثير في العقود الأخيرة، حيث نجازف بالقول إنّ مقاربة الأدب من جانب القارئ تكاد تستأثر باهتمام البحث النظري والنقد الرّاهن"2. إنّ السلطة المطلقة التي منحتها البنيوية للنصّ سلبتها التفكيكية منه وحوّلتها صوب القارئ.
ويُرجع أغلب الباحثين نشأة الهرمينوطيقا/ التأويلية إلى تفسير النصوص الدينية، فالتأويلية نشأت في رحم الكنيسة بعد أن وعت المؤسسة الدينية بعديد الإشكالات التي طرحها النصّ المقدّس على رجال الدين. لكنّ مجال اشتغال التأويلية/ الهرمينوطيقا اتّسع ليَسع مجالات إبداعية أخرى عندما أضحى يهتمّ بنصوص العلوم الإنسانية بعد أن كان مقصورًا على علم اللاّهوت3.
وهذا التحوّل بوجهة الهرمينوطيقا من مجال اللاّهوت إلى مجال العلوم الإنسانية الأخرى يرجع الفضل فيه إلى المفكر الألماني شلاير ماخر (Shleirmacher1843) الذي نقل المصطلح من دائرة الاستخدام اللاهوتي ليتحوّل إلى "علم" أو "فنّ" موصول بعملية الفهم و شروطها في تحليل النصوص، فاستطاع المصطلح- بذلك- تجاوز خدمة علم خاصّ- علم النصّ الديني- ليؤسس علما أوسع يتّصل بعملية الفهم و التفسير4، لا سيّما إذا أكّدنا أن كلّ فعل قراءة يرمي إلى عملية فهم، وأنّ كل قارئ يسعى جهده إلى تفادي سوء الفهم.
والمتأمّل في كتاب هانس روبيرياوس Hans Robert Jaus  "في سبيل تأويلية أدبية"5 يرى أن ياوس لا يكتفي بقراءة واحدة لنصّ شعري، بل يُثنّي قراءة النصّ مثلما فعل عند قراءته لقصيدة "سأم" لبودلير (Baudelaire) ، و قد علّل هذا التمشّي في القراءة بالقول: " تتأسس محاولتي على تقسيم هذا النشاط إلى فعلين هيرمينوطيقيين: فعل الفهم وفعل التأويل، الشيء الذي يفترض أنّنا نفصل التأويل التأمّلي بوصفه وجْهًا لقراءة ثانية، والفهم المباشر- رهان الإدراك الجمالي- بوصفه وجْها لقراءة أولى. إنّ أهميّة هذا النهج هي أن نُعطي الأولوية للخاصية الجمالية في تأويل النصّ الشعري بصفة نهائية".6
 


1 عبد العزيز حمودة، المرايا المحدّبة، سلسلة عالم المعرفة، العدد232/1998 ص 214.
2 رشيد بنحدو، قراءة في القراءة، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 48-49/1988 ص 13.
3 انظر محمد المتقن، في مفهومي القراءة و التأويل، مجلة عالم الفكر، العدد2، المجلد 33/2004 ص 25،  و انظر نصر أبو زيد الهرمينوطيقا و معضلة تفسير النص، مجلة فصول، العدد3، المجلد1/1981 ص 141.
4 انظر المرجع السابق ص 144.
5 Pour une Herméneutique littéraire
6 Hans Robert Jaus, pour une Herméneutique littéraire, traduit de l’Allemand par Maurice Jacob, NRF, Editions Gallimard, p360 ) نقلا عن محمد المتقن في مفهومي القراءة و التأويل ص 34)


وقد حدّد ياوس (Jaus) خصائص كلّ فعل من فعلي القراءة المذكورين، فالقراءة الأولى يجب"أن تتّبع خطوة خطوة الإدراك الجمالي للقارئ إلى أن تصل إلى آخر بيت في القصيدة، وإذا تعذّر العثور على المعنى، و ظهرت بنية القصيدة مكوّنة كلاّ متشكّلا، فمن أجل إيحاد المعنى- الذي لم يبلغ لحدّ الآن تمامه- لا بدّ من قلب النهاية على البداية حيث العناصر المعزولة و التي مازالت غامضة ستستقبل إضاءة جديدة انطلاقا من الشكل المدرك كوحدة أو ككلّ، و ستتّضح التخمينات بواسطة السياق، ويمكن البحث عن المعنى المفتوح في التناغم الكلّي الذي يُعطيه كلّ معنوي. إنّ التخمينات والأسئلة التي ظلّت معلقة في القراءة الأولى يمكن أن تحلّ من وجهة نظر شكلية و موضوعاتية لهما قاسم مشترك".1       
امّا القراءة الثانية فهي التي يتجلّى فيها المعنى، و يرى ياوس أنّ كلّ قارئ متمرّس يعرف أنّ "معنى قصيدة مّا لا يظهر غالبا إلاّ عندما نأخذ في قراءة ثانية"2.
وقد عرف معنى التأويل لبسًا كثيرًا إن في التعريف و إن في الترجمة من اللغات الأجنبية، فمن الباحثين من وصل التأويل بالتفسير، ومنهم من ميّز أحدهما من الآخر. وساد الاضطراب ترجمة مصطلح l’herméneutique ، فهو عند البعض التفسير، وعند البعض الآخر التأويل، وعرّبه طرف ثالث بـ" فنّ التأويل" وطرف رابع بـ"علم التأويل"3، وعرّبه عز الدين إسماعيل بـ" علم الفهم و التفسير"، و عرّبه خالد التوزاني والجلال الكدية بـ"علم الفهم والتأويل" 4.
ويذهب محمد المتقن – بعد أن استعرض مختلف التعريفات الموصولة بالتأويل – إلى تقرير ما يلي: إنّ التّأويليّة " علم ينظم استراتيجية القراءة، ويهدف إلى الارتقاء بالإبداعات من القراءة السطحية المنعزلة إلى تأسيس نظريّة متكاملة في تدبّر الآثار الفنية" 5 و يضيف:  " إنّ الهيرمينوطيقا مجموعة قواعد ومعايير يتّبعها المفسّر لفهم النصوص بالتركيز على الكشف عن بنيتها الداخلية و وظيفتها المعيارية والمعرفية بغية الوصول إلى ما هو أسّ وأصل في الشيء، و الهيرمينوطيقا بالتالي ليست قانونا عالميّا للتفسير بقدر ما هي فنّ".6


 


في مفهومي القراءة و التأويل ص 34.
2  المرجع السابق ص 35.
3 المرجع السابق ص 26.
4 المرجع السابق ص 27.
5 المرجع السابق ص 29.
6 المرجع السابق، الصفحة نفسها.


المشرفون على الندوة:
- الأستاذ حمادي المسعودي - رئيس مخبر البحث 
- الأستاذ عبد الله البهلول - منسّق الندوة

العنوان البريدي: مخبر بحث تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيّات، كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان 3100 (ندوة أفعال القراءة والفهم والتّأويل). 
العنوان الالكترونيecoldoc@gmail.com

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire