mercredi 12 novembre 2014

الجلسة الأولى برئاسة الأستاذ توفيق قريرة- الخميس 13 نوفمبر 2014 - س 9:45 – س 10:10

التأويل الدلالي للروابط  والعرفان المتموضع
منجي العمري – جامعة القيروان

تُعتبر مسألة التأويل الدلالي للأبنية اللغويّة من الإشكاليّات المركزيّة والمزمنة التي شغلت البحث اللسانيّ وساهمت في تطوير الكثير من المناويل النظريّة اللسانيّة، وخاصّة المناويل التي انتقلت في تصوّرها للمعنى من الطور التوليديّ إلى الطور العرفانيّ. ويمكن أن نتناول هذه المسألة في تعلّقها بالروابط النحويّة من زاوية النظريّات العرفانيّة الحديثة لنعيد النظر في الآليّات النظريّة والمنهجيّة التي تحكم تصوّر اللسانيين لدلالة الروابط وطرق انتظامها وتأويلها بين التصوّرات الذهنيّة والأبنية النحويّة.
والمتأمّل في المشهد اللسانيّ المعاصر يلاحظ وجود اتّجاهين كبيرين متصارعين في اللسانيّات العرفانيّة يقدّمان لنا تصوّرين منهجيين مختلفين لعلاقة التأويل بنظام اللغة وإن جمعت بينهم أسس كثيرة. أمّا التصوّر الأوّل فهو وريث النحو التوليديّ ويمثّله ما يعرف بالأدنويّة وهو يقيم تصوّرا جديدا يقوم على تقليص القيود الشكليّة المتسلّطة على نظام النحو وتوحيد مكوّناته من مدخلات (inputs) ومخرجات (outputs)  لبلوغ قدر عال من النجاعة في وصف الكفاية التفسيريّة للنحو باعتباره عضوا فطريّا يقع في الدماغ ويشبه طريقة اشتغال الحاسوب. لكنّ هذه التصوّر رغم تجاوزه لأخطاء التوليديين في اعتبار المعنى مكوّنا تأويليّا يأتي لاحقا لتكوّن البنية التركيبيّة للجملة فيؤوّلها عبر شحنها بالدلالة، فإنّه ظلّ يقيم حدودا فاصلة بين التأويل الدلالي (الصورة المنطقيّة) وبقيّة مكوّنات النحو المعجميّة والصوتيّة. فلم يتخلّص من هذه النظرة الثنائيّة لانتظام التأويل الدلالي باعتباره شكلا مقترنا بالمعنى قائما على تسلسل المكوّنات تسلسلا رياضيّا منطقيّا مندرجا ضمن مكوّن فطريّ في الدماغ يشبه طريقة اشتغال الحاسوب.
في المقابل تقدّم لنا الأنحاء العرفانيّة ذات الوجهة الترابطيّة المقابلة للأدنويّة تصوّرا جديدا للتأويل الدلالي من خلال ما بات يُعرف بالمعالجة المتوازية المترابطة للمعنى. فالمعنى ليس مكوّنا ينضاف للأشكال اللغويّة ليؤوّلها ولا هو جزء مقحم إقحاما في سلسلة مكوّنات ملكة النحو، بل هو من صميم النحو وطبيعته. وأبرز ما يميّز هذا التصوّر اعتماده على نموذج الدماغ البشري في طرق اشتغاله حيث يعتمد النشاط العرفانيّ على توازي عمليّات عصبيّة مترابطة ومتوزّعة وليست متتابعة متسلسلة كما في النموذج السابق. وميزة هذا التصوّر أنّه يجعل المعنى الحادث في التصوّر عرفانا متموضعا cognition située)/ situated cognition) بمعنى أنّ مسار حدوث الدلالة في التصوّر يرتبط بمظاهر التفاعل الكائن بين الذهن والجسد والمحيط الطبيعيّ والبيئة الاجتماعيّة للذات المدركة. وضمن هذا التصوّر المستحدث لا يكون المعنى مستقلاّ بنفسه في النصّ فيلتقطه الذهن عبر تأويل رموزه ولا هو مكتف بنفسه في نظام النحو فيسقط على النصّ إسقاطا بل هو ثمرة إعادة بناء لما يدركه الذهن عبر جملة من العمليّات العرفانيّة التصوّريّة تمثّل مسارا مسترسلا من التفاعل بين الذهن وبيئته في مختلف أبعادها.
فماهي ملامح انتظام دلالة الروابط في النصّ وطرق بَنْيَنَتِهَا للمعنى في ضوء هذا التصوّر العرفانيّ المتموضع؟ 
يمكنك أن تطرح الأسئلة وتبدي تفاعلك مع المداخلة في خانة التعليقات

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire